24 ديسمبر: أنا وجامع السجّاد



24 ديسمبر: أنا وجامع السجّاد 

سجادة مصنوعة يدويا بـ١٧ ألف دولار



أحب السجّاد، الملوّن منه خاصة، تلك القطع الفنية التي تنكب عليها أنامل الفنّان لسنين وهو يصبّ مشاعر حياته التعيسة والسعيدة منها أثناء نسج الخيوط وعقد النهايات واختيار الألوان. 


وقد قادني هذا العشق للتجوّل في محلات السجاد المندسة في الأزقة الخلفية لآيا صوفيا. حيث التقيت بصاليه، أو صالح كما نسميه نحن العرب، مثل ما نبّهني. دخلت قبل محل صالح محلين أو ثلاثة، وبمجرد أن أسمع ترحيب البائع حتى أحذره "أنا مجرد سائحة، لن أشتري، ولكني عاشقة للسجّاد" فيومؤون رؤوسهم بحسرة ويمدون أيدهم مرحبين. ولكن صالح، اشتعلت عيناه الهرمتين فرحة بسماعه عبارة "عاشقة للسجاد"، فدخل معي للمحل وجلس على ركام من السجاد الصغير وتأملني وأنا أبحلق في سجاده  "هذه حرير؟ كم سنة استغرق صنعها؟ صناعة يدوية بالتأكيد، صح؟ لا تؤاخذني فأنا لن اشتريها ولكن كم سعرها؟ مبالغ فيه!"


ضرب يديه ببعضها بحسرة قائلًا "مبالغ فيه لأنك لا تعرفين قيمتها، فمن يعرف قيمة ساعة رولكس أو سيارة بوغاتي فإنه لا يقول مبالغ فيه، بل يسعى ليقتني القطعة. وأنتِ لا تعرفين قيمتها. لا ألومك، فأنت تقولين لما ادفع ١٧ ألف دولار مقابل قطعة سجاد صغيرة أعلقها على الجدار. لا أستغرب ذلك، فأنت لا تعيين أنهم استغرقوا سنتين في حياكتها. وعلاوة على جمال ألوانها ودقة صنعها فهي تحكي قصة الصياد والفريسة، انظري للغزلان المسكينة تهرب من تلك الذئاب في رحلة أبدية. أنا لا ألومك، فأنتِ لا تعرفين قيمة هذه القطعة. بالمناسبة هل درستِ في أمريكا؟ إذن في المملكة المتحدة؟ تعلمتي بنفسك؟ لغتك ممتازة، ذكرتني بأيامي في أمريكا، عندما رأيتُ **** (في الحقيقة أنه قال كلمة لا أعرف معناها، وبما أنه امتدح للتو لغتي، فلم اتجرأ على سؤاله عن معنى تلك الكلمة) في سلة المهملات، يومها، وقفت أمامها طويلًا ثم أخذتها ونظفتها ولمعتها وبعتها مقابل ٢٣ ألف دولار. أنا جامع قطع يا سيدتي الصغيرة، ولستُ بائعًا. من أين أنتِ؟ المملكة العربية السعودية؟! أتمنى أن تكون أحوال المرأة تحسنت. نعم، نعم، هو رجل جيّد. فالحقيقة، أنا لست مسلمًا، بل مؤمن بوجود الطاقة أو الرب أو الله أو ما تردين تسميته. ولا أظن أن ما يفعلونه بالمرأة في بلادك وفي أفغانستان وإيران وبلادي أيضًا هو من الإسلام. قولي لي، كيف لنا أن نعيش في مجتمع يحرم الرجال النساء من حقوقهن. كيف نعيش في بلد يكره الرجال والنساء بعضهم بعضًا؟ جيد، جيد، سعيد لسماع ذلك. فلا أحد يقنعني أن المرأة ستُحب رجلًا يحرمها من استقلاليتها. (ثم نظر إلى خاتم الدبلة الفضي في يده اليسرى وأشار بسبابته اليمنى) حقيقة أنني لم أتزوج إلا قبل ثلاث سنوات بمن رأيتها توأم روحي. فأنا لم أرد الزواج إلا بامرأة قوية ومستقلة ولم أجدها إلا قبل بضع سنوات. اسمي صاليه، أو كما تقولون أنتم صالح، وأنتِ؟ رزان؟ قريبتي اسمها رزان. تفحص ملامح وجهي لهُنيهة، ثم قال ببطء، تأخذ من ملامحك الكثير، فأنتما متشابهتان كثيرًا. يقولون أن لكل من اسمه نصيب، وكل شخص يجب أن يلائم اسمه، يا إلهي، أنتِ تذكريني بقريبتي حقًا. 


سكتنا بعدها لفترة، أنا أنظر للسجاد، وهو ينظر لي. استوقفتني السجادة المعروضة أمام زجاج المحل. كانت سجادة مهترئة، خيوطها مرخية، وألوانها كئيبة، وعقد الخياطة غير نظيفة. 


همس "تتساءلين لما أعرض مثل هذه السجادة هنا؟ قلتُ لك، أنت لا تقدرينها لأنك لا تعرفين قيمتها. أنتِ، ولا تؤاخذني، مثل شخص مشى في الشارع فرأى طابع قديم فلم يعره أي انتباه ورماه، ثم سار خبير بالطوابع القديمة، فالتقطه ونطفه ولمعه ثم باعه بملغ كبير. لنعود لهذه السجادة، هذه القطعة من إبداع سيدة قيرغيزستانية، تعكس على هذه السجادة معاناتها وألامها. أترين هذه الفتحات؟ وهذه العقود؟ هي رمز لمعاناتها، هي أم حزينة. انظري لهذه للرسمة، العديد يرونها سلحفاة ترمز لصبرها. والآن أعرفتي قيمة السجادة؟"



سجادة من إبداع سيدة قيرغيزستانية


فتحات ونهايات غير مثالية

العديد يرى هذه الرسومات سلاحف ترمز لصبر الفنانة





تعليقات

ما أحبه القرّاء