كيف قضيت ظهريات ٢٠٠٥؟

  

كيف قضيت ظهريات ٢٠٠٥؟

 

نظرة على تشابه حياة الناس حول العالم

 

 

كنت أمسك هاتفي وأقلب مقاطع ريلرز في انستغرام، فاستوقفني مقطع هزلي إنجليزي يسترجع أيام الطفولة في ٢٠٠٥، حيث كان الأطفال يعودون إلى منازلهم ويفتحون أجهزة الكمبيوتر ليلعبوا لعبة مصنع الكعك أحدث ألعاب مايكروسوفت. أضحكني المقطع فشاركته مع أخواتي وصديقاتي، وتذكرنا أيام الخوالي. ولكن، شيء ما أرعبني. فقد عشتُ وصديقاتي، وأغلب شباب وشابات السعودية، وصاحب المقطع وأخوته وأصدقائه الذكريات نفسها، فهل نحن "سكّان الأرض" نعيش الحياة نفسها؟

 

في أيام حجر كورونا في ٢٠٢٠ خبزنا جميعًا كيكة الليمون، ولعبنا الكيرم، وشوينا يوميًا. ونخرج الآن في الشوارع، فنرى الأطفال يرتدون القمصان نفسها من شي إن وزارا. وفي الشتاء نرى أغلبية النساء يرتدون المخمل الأسود، والرجال يتزينون بغترة رملية بنقشات بنيّة على الأطراف وكأننا جميعًا وقعنا اتفاقًا سريًا بموجب ارتداء زيّ موحد.

 

لا يتوقف الأمر على الماديات والمظاهر، فمشاعرنا ليست بمنأى عن هذا التشابه. فعندما حظرتُ إعادة عرض فيلم تايتانيك بمناسبة مرور خمس وعشرون سنة على عرضه الأول، غضّ جميع الحضور أبصارهم وطالبوا شخص ما بإنقاذنا من هذه المشاهد الجريئة بتسريعها. وعندما هزّت روز يدّ جاك المتجمدة مطالبة إياه بالصراخ معها لطلب النجدة، كانت شهقات البنات في القاعة تختلط مع الموسيقى التصويرية الأسطورية.

 

ولكن، يقول ليو لوتيستري في افتتاحيته الشهيرة لرواية آنا كارنينا "العائلات السعيدة كلها متشابهة، ولكن كل أسرة تعيسة هي فريدة في تعاستها".

 

 فكل عائلة سعيدة تكون قد حققت الشروط الخمس لمثلث ماسلو للحاجات الإنسانية وهي تحقيق الذات، التقدير، الاحتياجات الاجتماعية، الأمن والسلامة، والاحتياجات الفيزيولوجية. أما كل عائلة تعيسة فيختلف سبب تعاستها؛ فقد يكون السبب هو هجران أب، أو العوز والفاقة، أو مرض وراثي أنهك العائلة، أو افتقاد الأمان، والقائمة تطول. 

 

 

أنا -وغالبًا أنت- عشنا حياة مستقرة ماديًا نسبيًا. فحظينا بسقف يحمينا من حرارة شمس صيفًا، وطعام يملئ بطوننا صباحًا، ومياه دافئة تحتضن أجسادنا شتاءً، وأسرّة تحتوينا ليلًا. وكنّا بعد أن نقضي ست ساعات صباحًا في المدرسة نعود لملاذنا لنتناول الغداء ونلعب لعبة مصنع الكيك، ونُتابع الكابتن ماجد، ونحلم بالانضمام لعيش سفاري.

 

ولكن كيف عاش أطفال البلدان الفقيرة ظهريات ٢٠٠٥؟ لم يمتلك الأطفال في دول مثل تانزانيا والسودان أجهزة كمبيوتر في منازلهم غالبًا، وربما لم يحظَ بعضهم بفرصة الحصول على تعليم مدرسي. فلو افترضنا أن ثلاثة أرباع أطفال الكرة الأرضية في ٢٠٠٥ لعبوا لعبة مصنع الكعك في الظهر، فالربع الآخر لم يلمسوا جهاز كمبيوتر قط.

 

يسعى البشر جميعًا باختلاف أعمارنا وأجناسنا وعروقنا إلى تحقيق حاجاتنا الأساسية للوصول إلى رأس مثلث ماسلو، ومن يصلون للقمة متشابهون، أما الذين يصارعون للصعود فأسباب صراعاتهم متفردة. 

 

 فقد تجد مجموعة أصدقاء يتناولون البرجر متلذذين، ولكن أحدهم يقضمه خائفًا من اشتعال القولون، ويقود الناس السيارات مستمتعين، ولكن أحدهم يمسك المقود مذعورًا من أن تُباغته نوبة صرع، وترقص النساء في الزواج سعيدات إلا إحداهن لا تمتلك إلا يدين للتصفيق.

 

تعليقات

ما أحبه القرّاء