"ما شاء الله"... وش تقصد؟
"ما شاء الله"... وش تقصد؟
المعاني المختلفة لـ"ما شاء الله"
أعمل في وكالة إعلانات، ووكالتنا مثل كل وكالات التسويق في العالم، تبحث عن القَرش ولو تحت الحجر. جاء المدير التنفيذي للوكالة، وأمرنا بلهجة صارمة أن نعرض على عملائنا أي مبادرة، ولا ننتظر المشاريع منهم. فبحث أحد الزملاء عن تاريخ إحدى الشركات المتعاقدة معنا، واكتشف أنها في هذا العام تُكمل ثلاثين سنة منذ تأسيسها. فجمعنا الأفكار، وابتكرنا الحملات التسويقية، والعبارات المحليّة، وباغتنا العميل في مكتبه، واستعرضنا عضلاتنا أمامه، وعندما ظهرت شريحة "شكرًا لكم"، وجّهنا نظراتنا جميعًا له، اعتدل من جلسته، وابتلعنا ما تبقى من ريقنا الناشف، ولكنه ظلّ صامتًا، فصرخ مديري بيأس "وش رايك؟"، فهمس "ما شاء الله".
يؤمن المسلمين بالعين والحسد، لذا حرصت التعاليم الإسلامية على تلقين الناس قول "ما شاء الله" عند الإعجاب بأمر ما، وذلك تذكيرًا أن هذا الحسن حصل بمشيئة الله سبحانه، ولطرح البركة لصاحب الشأن. ولكن، لم يعد الناس يقولون "ما شاء الله" فقط للتعبير عن إعجابهم بأمر ما، بل تفرعت المعاني بحسب طريقة نُطق الشخص لها.
راقب كيف ينطق الناس "ما شاء الله" وفي أي سياق يذكرونها، ستُلاحظ أن طريقة تنغيم الجملة تختلف بحسب الموقف. فيهمس بها الشخص عند الإعجاب، ويرفع صوته بها عند الاستهجان، ويلوك لسانه عند الاستفهام.
يُقرّ اللغوين بأهمية التنغيم، حتى أن بعض العلماء أشاروا إلى أن طريقة تنغيم الكلام والسياق الذي اُنذكر فيه قد تتفوق أهميتهما على علامات الترقيم لإيضاح المعنى ومعرفة الهدف من الجملة سواء كانت تعجب أو استفهام أو استنكار أو إقرار، وذلك بحسب دراسة للدكتور مزاحم مطر حسين.
بعد ذكر العميل لجملة "ما شاء الله" في ذلك الاجتماع، رحت أتأمل المواقف وطريقة ذكر الناس لهذه العبارة، واستخلصت لوجود خمسة معاني لجملة "ما شاء الله" بحسب تنغيم القائل للجملة والموقف الذي ذُكرت فيه.
1- ما↖️ شاء ↖️ الله↖️ للتعجب
يذكرها الشخص عندما يتعجب، مثل عندما يطلب أخوته من المطعم دون مشاورته، أو عندما تكتشف المعلمة خروج الطالبات من الفصل دون إذنها. ويُنغّم قائلها الكلمات الثلاث تنغيمًا صاعدًا ليُظهر استهجانه وتعجبه من الموقف.
2- ما↖️ شاء↙️ الله↙️ الاستفهامية التنكرية
غالبًا ما تستعمل الأمهات هذه العبارة عندما يُصارحها أحد ابناءها برغبته في السفر وحيدًا أو النوم في منزل صديقه. ويرفع قائل هذه العبارة كلمة "ما" ليُظهر الإنكار ثم ينطق الكلمتين الأخيرتين بتنازل ليُعبّر عن استفهامه.
3- ما↖️ شاء↖️ الله↖️ المبالغة
يستعمل الأشخاص هذه الصيغة عند مقابلة ناس لم يلتقوا بهم منذ فترة طويلة، فيسألونهم عن أحوالهم ومع كل إجابة مثل "والله تزوجت" يصعقك بـ "ما شاء الله" عالية، ثم تقول له "أخوي يدور وظيفة" فيفجعك بـ"ما شاء الله" أعلى. ويستعمل الناس هذه الصيغة للمبالغة في ردة الفعل وفي محاولة يائسة لإظهار الإعجاب لأمر بسيط.
4- ما↙️ شاء↙️ الله↙️ للمجاملة
غالبًا ما يهمس بها الشخص ولا يُصرح بها عاليًا كما حصل مع فريقي في الوكالة والعميل. وتجد أغلب الناس الذين لا يُحبذون المناقشات وفرض الآراء يلجؤون لــ "ما شاء الله" بنغمة تنازلية وبتحريك بسيط للشفتين ليصمت الطرف الآخر.
5- ما⬅️ شاء⬅️ الله↖️ لذكر اسم الله تعالى
يُعجب الإنسان بلباس، أو تُبهره ملامح فتاة، أو سيارة فارهة فيقول وهو يرصّ على الأحرف "ما شاء الله"، وهو برصه على هذه الأحرف وذكره للعبارة بنغمة صوتية مستوية في البداية ورفعه لصوته قليلًا عند ذكر الله جلّ جلاله فهو يقرّ بإعجابه لأمر ما.
لا تعتبر عبارة "ما شاء الله" التي تغيّر معناها وتبدّل مع الزمن بحالة شاذة. فالتغيّر الدلالي يُعتبر من أكثر الظواهر اللغوية شيوعيًا، كما يُعدّ دليلًا على نشاط اللغة وتفاعل متحدثيها وتوظيفهم للغتهم بحسب المجريات والأحداث الحالية. فكلمة "عمّ" التي تعني أخ الأب، أُضيف لها معنى جديد عندما أصبح الأطفال ينادون أي رجل كبير بها احترامًا له، وكلمة "مأتم" كانت تعني اجتماع الرجال والنساء للمناسبات الحزينة أو السعيدة، كما أن كلمة شنب كانت توصف جمال الثغر وصفاء الأسنان وبياضها والآن تعني الشوارب.
أخيرًا، تنغيم الكلمات هو النافذة التي يعرف منها المتلقي مشاعرك، فمن مجرد النغمة سيعرف أن كنت ساخرًا، أم متعجبًا، أم صادقًا، فاحرص على أن تعكس مشاعرك في طريقة كلامك، فلا تتحدث ببرود عند ابداء الإعجاب، أو بصوت عالي عند عدم الاهتمام، بل اعكس حقيقة مشاعرك في طبقات صوتك.
تعليقات
إرسال تعليق