٢٩ نوفمبر: أنا والمال
٢٩ نوفمبر: أنا والمال
يمتد موسم حصاد البلح من شهر يونيو وحتى سبتمبر، والاكتئاب الموسمي من الخريف إلى الشتاء، أما موسم رؤى أمي فيمتد من شهر شعبان هجري إلى شهر الحج تقريبًا. أغلب أحلام أمي تتمحور حول الثراء، مرة تأكل من نخلة وتارة من قرش وفي ليلة من غزال، تتضمن أحلامها أشخاص كثيرين تعرفهم ولا تعرفهم وفي حالات نادرة تظهر شخصيات كانوا طيّ النسيان فتقرر أن تنهي تلك القطيعة وأن تتواصل معهم. وعلى الرغم من تغير الأكلات والأماكن والمواقف، إلا أن المفسر يكتفي بكلمة واحدة هي الرزق.
هزتنا جميعًا هذه الكلمة وأصبحنا أنا وأختي نحلم
أيضًا أثناء موسم الرؤى. كنّا نجتمع كل ليلة بعد الساعة ١٢ في صالة منزلنا تحت
اضائة خافتة جدًا وشبه معدومة ونبدأ أنا وأمي وأختي نرسل أحلامنا للمفسرين الذين
وبالرغم من تغيّر مأكولات الحلم وشخصياته وحبكاته وأفعاله، إلا أنهم يكتفون بكلمة
واحدة هي الرزق، وإن تعذّر على المفسر تعبير الحلم فكّكنا نحن الرموز من العمّ
قوقل ونقرر أنه الرزق.
كانت هذه الأحلام بمثابة وقود لي أيام الكساد
التي عشتها في الجامعة. فبمكافأة 885 ريال فقط شهريًا استطعت أن أعيش لأربع سنوات
وأقتني لابتوب بطيء وثقيل التحميل وجوال من الطراز القديم، وقد اشتريت الجهازين
بنظام أقساط من أختي. ولكن كلما اشتدّت علي الدنيا وضاقت علي الأرض بما رحبت تذكرت
أحلام أمي فتهدأ نفسي. وقتها آمنت تمامًا أنني لا أريد أن أصبح غنية، بضعة قروش
تكفيني، ولكنني بحسب أحلام أمي سأصبح ثرية ولا أحد يستطيع دفع الرزق عنه.
وفي يوم صافٍ كانت فيه رؤى الرزق تبثّ الدفأ في صدري، قرأت مقالة تقترح أن كل الناس يحلمون بالثراء السريع، وأن الجميع يحلم أنه سيصبح غنيًا. واكتشفت بعد أن كتبت كلمة "رزق" و”بنصير أغنياء" في تويتر أن أمي والجميع الأمهات يحلمن أننا سنصبح أغنياء يومًا ما.
انكببت اقرأ
وأتابع مقاطع فيديو عن الرؤى، من المستحيل أن تكون كل تلك الأحلام ومئات الريالات التي
صرفتها في تفسير حلم مشوّش هي غالبًا مجرد خزعبلات! ولكني اكتشفت أن الأحلام
مَلَكَة تستطيع ترويضها. فقد اشتهرت امرأة بريطانية بأنها تحلم كل ليلة بقصة وفي
الليلة التالية تكمل الأحداث حيثما توقفت وكأن أحلامها مسلسل يُعرض كل ليلة على
قناة MBC.
بعد تخرجي من الجامعة تنقلت بين ثلاث وظائف ولم
أعش حياة العطالة بفضل الله إلا لمدة شهر واحد فقط من تخرجي. تراوح دخلي الشهري من
ضعيف لمرتفع، وبدأت أذوق معنى أن تملك مالًا. وهنا بدأت لا أحلم كثيرًا، كنت أضع
رأسي كل يوم على الوسادة وأدعي أن يرزقني الله برؤية ولكني لا أرى شيئًا.
أصبحت أحلامي نادرة، وإن حلمت فلا يرتبط الحلم بالرزق كثيرًا.
لم تكن الأحلام هي الأمر الوحيد الذي تغيّر
فيني..
فقد كنت أؤمن أن موهبة الكتابة لن تُقايض بالمال
أبدًا وأنني سأتبع نصيحة ألا أكتب للمال أبدًا، ولكنني أفكر دائما بأنني لو نشرت
رواية طُبعت لـ٢٥٠ ألف نسخة وكان ربحي خمس ريالات فقط من كل نسخة فسأربح مليون
ومئتين وخمسين ألف ريال.... سأتوقف عن الكتابة فرسالة "إيداع للراتب"
وصلتني للتو.
تعليقات
إرسال تعليق