17 ديسمبر: أنا والكتابة
يتسلل الشك في قلبي. لا أشعر أنني ماهرة في الكتابة. أودّ أن أتخلّى عن حلمي. أودّ أن أكون أي شيء. الكتابة ليست راحة كما يصفها الكثيرين.. الكتابة عذاب. أن تتكشف بهذا العُري.. أن تظهر أمام الملأ من دون مساحيق تجميل.. أن تقول الحقيقة المرّة... أن تُفتش في صناديق الذكريات المؤلمة... هذه ليست متعة، بل عذاب، هذه ليست هواية، بل عراك.
عندما ولدت قلت سأصبح كاتبة واليوم بعمر الأربع والعشرين أحزن على قدري. عندما يقول الكاتب أن الكتابة اختارتني ولم اخترها فهو صادق في ذلك.
كتبت أول قصة بعمر التسع سنوات، وأول رواية لي بعمر الثالثة عشر وثاني رواية لي بعمر الرابعة عشر. ثم توقفت حتى الثامنة عشر، لأسباب كثيرة -أهمها- أني خجلت مما كتبته عندما قرأته صديقتي بصوت عالي. في تلك السنوات الأربع انكببت في عالم الأرقام والفيزياء، حتى أصبح طيف الكتابة مثل كابوس قديم. ولكن، انهار كل ما بنيته بكلمة واحدة، عندما قالت لي أمي "تخصصي في الترجمة الإنجليزية" فحققت مرادها.. وعُدت من جديد في دوامة الكلمات.
كتابة المقالات هي مهارة لا تؤذيني ولا تخيفوني، بل أشعر بالإنجاز بعد الانتهاء منها، أما الأدب فيُؤلمني. فسبر أغوار النفس البشرية، والابحار في عمق بحر الحزن، لا يبعث في نفس إلا التعب. الكتابة عذاب.
هل القصة واضحة؟ هل الشخصيات تعكس فكري؟ هل سيظن الناس أنني قـ.... إن ذكرت هذه الكلمة؟
أن تصبح كاتبًا هو أمر وأن تكوني كاتبة عربية هو أمر آخر. فالعربيّة لن تستطيع ذكر مشاهد الحُب ولا تستطيع التغزل بالرجل ولا تستطيع التحدث بحرية عن حياتها والتحرش والجنس. وأنا لا أستبعد بكتابتي لهذه الأسطر عقد اجتماع طارئ في العائلة لمناقشة بعض المصطلحات التي أكتبها. العربية لن تستطيع أبدًا الكشف عن الحقيقة كاملة. ستبقى متوارية دائمًا خلف الخوف من العار.
الكتابة لا تمدّني إلا بالغضب والحزن. اغضب من نفسي، فلا وصفي ولا شخصياتي ولا جملي تعجبني. واغضب من الأدب الكئيب الذي اكتبه. وأتأجج غضبًا عندما اسأل نفسي، هل لك أن تقرأي هذه القصة لو كتبها شخص آخر؟ وأحزن على نفسي، ومستقبلي، ووقتي، وصراعي. وأحزن أكثر على شخصيات قصصي النصف حية، فشخصياتي تسير بأنابيب تنفس وكراسي متحركة. يقول الروائيين أن شخصياتهم تخبرهم ماذا يريدون أن يفعلوا. أما فشخصياتي تُبحلق فيّ وأبحلق فيها. نتأمل بعضنا، هم على كراسيهم المتحركة يجلسون على أسطر مستند وورد، وأنا أجلس أمامهم بفمٍّ متقوّسٍ للأسفل أنتظر منهم أن يسيروا على أقدامهم.
أفكر بجدية أن أتخلّى عن حلم الكتابة، ولكن ما معنى الحياة إن فعلت؟ أخاف الانتحار.
تعليقات
إرسال تعليق