رحلتي مع اتخاذ القرارات والتعامل الندم

 رحلتي مع اتخاذ القرارات والتعامل الندم 

 

 

أفطر بانكيك؟ ولا أسوي بيض؟

أكمل دراستي؟ ولا أقعد في وظيفتي؟

أتخصص بتخصص مرغوب؟ ولا ألاحق شغفي؟

أوافق على هذا الخاطب؟ ولا أنتظر شخص أنسب منه؟

 

 

حياتنا كلها مبنية على قرارات وخيارات بدءًا من "أيش أفطرمرورًا بـ "ايش أتخصص؟و"مين أتزوج؟و"كم طفل أنجب؟".

 

 

كنت أعمل في وظيفة متوسطة ككاتبة محتوى في شركة مرموقة، وبعد مرور سنة حصلت على فرصة جديدة لأصبح صحفيّة في جهة حكوميةبعقد خارجيوافقت بمجرد ارسال العرض الوظيفي لي ودقات قلبي تتسارع وأنفاسي تضطرب حماسًا وارتباكًا.

 

بدأ أسبوعي الأول، فتوجهّت للمبنى الكبير وجلست في البهو أنتظر أحد الموظفين ليأخذني لمكتبي وفريقي الجديدوبعد ساعتين من الانتظارتكرّم أحد أعضاء الفريق لمرافقتي للمكتب.

 

لم يكن لي مكتبًا خاصًا ولا فريقًا متعاونًا ولا عملًا منظمًاأتذكر أنني في اليوم الثاني من وظيفتي ترجمت أكثر من ألفي كلمة تقريبًالمواضيع تندرج تحت التراث والإرث والحضارات القديمة، وفي اليوم الرابع نعت مدير القسم أحد ترجماتي بـ"الزبالة".

 

بعد أسبوعين فقط من تلك التجربة المضطربة حصلت على فرصة عمل جديدة؛ وظيفة كاتبة محتوى في وكالة إعلان عالميةكانت المميزاتالمالية للفرصة الجديدة مطابقة للوظيفة الحالية، ولكن سمعة الوكالة أقل بكثير من الهيئة الحكومية، أما بيئة العمل والتشجيع فلم يتضح ليشيء، ولكن تناهى لأذني أثناء المقابلة ضحكات الموظفين ومزاحهم وكان ذلك ما افتقده تمامًا في وظيفتي

 

وقفت أمام خيار الاستمرار في وظيفة لا تسعدني نفسيًا، ولكن ترضي غروري وطموحي، وبين الولوج في تخصصٍ جديدٍ تمامًا بالنسبة ليوالمقامرة فيه.

 

اخترت الرحيل… وندمت.

 

 

ندمت في حياتي كثيرًا، فقد ندمت أنني لم أصحح النادل الذي سمع لاتيه بدلًا من أمريكانيو، وندمت أنني أكلت وجبة دسمة من كنتاكي،وندمت أنني جعدت شعري عوضًا عن تسريحه، ولكني لم أندم يومًا على قرار مصيري.

 

بدأت رحلتي مع الندم.. 

 

كرهت قراري ونفسي واتهمتها بالضعف والوهن، ورميتها بأنعت الوصوف وأبشع الكلماتلم استسغ فكرة أنني ارتكبت خطأً كبيرًا، فقدكانت النتيجة واضحة وكان الخيار الصحيح أوضح، ولكن أغشي على عيني.

 

أيقنت بعد أسابيع من اللوّم، وقلّة النوم، ونقاشات مع نفسي اللوامة أن علي تقبّل ندمي وتجرّع مرارته ثم اكمال الطريق.

 

انكببت على كل كتاب وبودكاست وفيديو يتناول موضوع الندم والخيارات والمعضلات والمفارقات ودرستها بتمعنوقرأت قصص شخصياتمعروفة وسبرت أغوار قصتي، ونفسي، وقراري، ودوافعي.

 

 

هنا دروس تعلمتها مع رحلة اتخاذ القرار والندم..

 

 

 

أولًا، مرحلة القرار

 

إذا واجهت قرارًا صعبًا وكتبت قائمة بالإيجابيات والسلبيات ولم تعرف القرار بعد فأنصحك بالتالي:

 

لا تشاور صديقًا أو فردًا من العائلة

 

سينظر أصدقائك وأهلك في عينيك ويقرأون رغبتك ثم سينصحونك باتباع ما تهواه نفسكفي حين أنك في مثل هذه المواقف تحتاج لعقليبتعد عن العاطفة تمامًاشاوّر مستشارًا مهنيًا أو أسريًا، أو تحاور مع مختص في المجال، أو عالم نفس.

 

توجّه لأصحاب الخبرة الذي سيقدمون لك الحقيقة المُرّة.

 

إن احترت كثيرًا فقل لا

 

إذا لم تعرف ما هو القرار، فاعرف أن الرفض هو الحل الأنسبالفرصة والشخص المناسب، والوظيفة الأفضل تجذبك وتُسارع دقات قلبكحماسًا وتوترًا، وستصرخ من الفرط الحماس لتقول "نعم!".

 

 

إذا شعرت بالفتور فأعلم أن قلبك لم يمل لهذا القرار.

 

 

 

 

 

اعرف أولوياتك 

 

شخصيًا كنت أظن أن بيئة العمل وحالتي النفسية هي العامل الأهم، ولكن مع انتقالي اكتشفت العكسصحيح أن بيئة الهيئة الحكوميةكانت سيئة، ولكني اكتشفت أنني انسانة يصعب عليها الاندماج مع الناس، لذا فالبيئة لا تُسبب فرقًا كبيرًا بالنسبة لي

 

كُنّ صادقًا مع نفسك وتجرّد من ثياب المثالية والمجاملة، وضع نفسك أمام الموقف مباشرة، واسأل نفسك مثل هذه الأسئلة:

 

"لو قالوا إنك زوج فلانة، وش شعورك؟" "لو ما توظفت هذه الوظيفة وش شعورك؟" "هل تحب أن تتحدث عن هذه الفرصة أو عن ذاك الشخصأو أنك تحاول تفادي الحديث عنها؟"

 

أسبر أغوارك نفسك لتعرف ما تريده، ولا تخجل إن وجدت نفسك تميل لحُب المظاهر أو المال أو السمعة، فأنت إنسان لك رغبات والمهم أنتُشبعها وترويها باتزان وحكمة.

 

 

 

 

مرحلة ما بعد القرار

 

ماذا لو وقعت في الفخ مثلي؟ اخترت الشريك الخطأ، أو أجريت عملية تجميلية لم تكن بحاجتها، أو اتخذت قرارًا متهورًا؟

 

 

لا تتأرجح مثل البندول

 

تقول عالمة النفس الدكتورة "ويندي سميث"، التي قضت العشر السنوات الماضية في دراسة القرارات والاختيارات، أن الناس عند اتخاذهملأي قرار يتأرجحون مثل البندولفتراهم يميلون كل الميل لرأي معين مثل أن يصبحوا صحيين جدًا في أسلوب حياتهم، ولكن ما إن يكتشفواأن هذا القرار صعب أو أنه قرار خاطئ فسيتأرجحون للجهة المعاكسة تمامًا ليصبحوا أشخاصًا لا يهتمون بصحتهم مطلقًا.

 

لو اتخذت القرار الخاطئ فلا تميل للجهة المعاكسة تمامًا، ادرس قرارك وتعقّل وتمهّل وانظر للأسباب التي أدت لفشله، وتعلّم منها ثم توسّط ولاتتمرد

 

حتى لو كان قرارك خاطئا فلا تحرم نفسك من زواج، أو وظيفة، أو دراسة بسبب قرار، أو قول، أو فعل ندمت عليه.

 

خيرُ الأمور أوسطها

 

 

الحياة معضلات

 

أزور أمي ولا أحضر الاجتماع؟ أخرج مع الأطفال ولا أستأنس مع زوجي؟ أشرب قهوة ولا شاهي أخضر؟

 

تقبّل وجود القرارات والاختيارات... فحتى لو حبست نفسك في قصور مشيّدة ستسأل نفسك "هل أنزل من قصري أم أقضي حياتي هنا؟"

 

فالرسول عليه الصلاة والسلام وُلد يتيمًا يتخبط في الحياة وحيدًا، وعندما اشتدّ عوده وجد نفسه غريبًا، وعندما تزوّج خديجة اختاره اللهليكون رسولًا، وعندما دعا قومه لم يجد إلا الأذى، وعندما هاجر للمدينة بحثًا عن السلم لم يلق إلا الحرب، وعندما فتح مكة واجهه مصاعبقيادة الأمة


 اخرج للحياة، وتعثر مرة ومرتين وثلاث.. المهم ألا تقع للسبب نفسه.

 

 

 

تقبّل هفواتك

 

ربّت عن نفسك وارحمها وابتعد عن اتهامها فكلنا بشر معرّضون للخطأ، وابتعد عن قول مثل هذه الجمل لنفسك:

 

 "والله إنك غبي!"، "وش كنت تحس فيه"، "لو أدري ما وافقت".

 

لن تعرّف حرارة النار إن لم تُلسع منها، فخطأك هذه المرة حماك من أن تُخطئ مرة أخرى.

 

تذكّر: "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين"، فالمرة الأولى ألدغ رسول الله عندما سامح أبا عزَّة الجُمَحِي وأطلق سراحه فعاود في نظم قصائدالهجاء، ولكنه في المرة الثانية قرر ألا يُسامحه.

 

 

ابحث عن الجانب المشرق

 

قد يكون قرارك سوداويًا وكارثيًا، ولكن هناك بقعة مضيئة في مكان ما لم تعثر عليها بعد.. ابحث عنها وتشمّس فيها.

 

قد يكون الجانب المشرق من هذه التجربة المؤلمة أنها صقلت مهاراتك وهذّبت نفسك وعلّمتك قيمة ما كنت تجهلهوقد يكون هذا القرار هو بابلفرص لم تحلم بها.

 

حاول قدر الإمكان أن تتفاءل وأن تُصمم روتينًا يوميًا يُساعدك في المضي قدمًا وبثّ روح الحياة فيك

 

يقول لنا غازي القصيبي في مذكراته "حياة في الإدارةأنه لم يرد الذهاب إلى اليمن للعمل في بلد تمزقها الحروب، لكن عبد الله السديرياقترح أن يكون القصيبي المستشار القانوني للبعثة دون مشاورته، ورفع اسمه للديوان الملكي الذي وافق عليه.

 

يقول القصيبي عن هذا التعيين: “فوجئت بتكليف محفوف بالمصاعب والمخاطر، ولو كنت أستطيع الاعتذار عنه لما قبلته” ولكن، “أدى سفريإلى صنعاء إلى تحولي بغتة من نظريات العلاقات الدولية إلى واقعها الدامي، كانت الطائرة (الكونفير) تهتز فوق الجبال اهتزازاً عنيفاً جعلنانعتقد أن بعض المواقع لم تتلق الرسالة”. فهذه البعثة المحفوفة بالمخاطر كانت بوابة القصيبي نحو عالم السياسة الدامي.

 

أخيرًا: 

 

كلنا نندم، إن خُلقت بشرًا فأنت خُلقت لتندمولكن الإنسان الناجح هو الذي يعرف كيف يتعامل مع ندمه ويتعلّم منه ثم يمضي قدمًا

تعليقات

ما أحبه القرّاء