الأحد، 9 أكتوبر 2022: أنا والكتب
الأحد، 9 أكتوبر 2022: أنا والكتب
كان يوم أحد كئيب وطويل، وأما قائمة المهام فكانت
فارغة تنتظر الزوّار. لذا قررت أن اقرأ، فبحثت عن نسخة PDF لرواية "مقتل بائع الكتب" التي اشتريتها من معرض الرياض
للكتاب الدولي ولكنني لا أستطيع أن أخرجها الآن أمام كل الموظفين لقراءتها. فمثلّت
أنني أعمل على لابتوبي وفي الحقيقة أني كنت أتقفى أثر مقتل المرزوق. أنهيت في ذلك
اليوم وحده 68 صفحة مليئة بعناوين الكتب، ولدهشتي كنت قد قرأت أغلب العناوين
المذكورة في الرواية مثل كتاب وعّاظ السلاطين لعلي الوردي وروايات إيزابيل الليندي
ونجيب محفوظ ورواية الطيّب الصالح موسم الهجرة للشمال... كتب كثيرة قرأتها وأغلب
الكتّاب أعرفهم.
لا أعرف ماذا أسمي علاقتي بالكتب وماهي المكانة
التي تحتلها القراءة في قلبي. فأنا لست بمنأى عن الكتب والعلم بالطبع، ولكنني لست
مهووسة. ففي العام الماضي قرأت فقط أربعة وعشرين كتابًا أي كتابين فقط في الشهر،
وهو عدد يميل ليكون قليلًا بالنسبة للقرّاء الشباب. في حين أنه عند مقارنتي بعامة
الناس فأنا قارئة ولكن بالنسبة للقراء فأنا مجرد طفيلية.
حتى زيارتي لمعرض الكتاب كانت زيارة يتيمة في
ظهر السبت، أُجبرت عليها ولم أُرّحب بهذا الإجبار مطلقًا. تنقلت بين دور النشر
متذمرة من الأسعار تارة ومن حرارة المعرض تارة ومن نفسي الضعيفة التي خرجت تجرّ
وراءها عشرة كتب رغم كل هذا الضجر.
أتعجب كثيرًا من القرّاء الذين يتجهزون للمعرض وكأنه
حج أو عبادة في ديانة المثقفين. يفرحون بحلول أكتوبر، ويعدّون الأيام لقدوم الكتب
للرياض وكأنها متصحرة من الأوراق أيضًا، وإذا جاء المعرض يسعون بين دور النشر
ويصلّون على الكتّاب والشعراء الذي يأتون في زيارات سريعة للتسويق لأعمالهم
ويسبّحون بأبيات غازي القصيبي ويندمون حظ محمد الثبيتي. وإن انتهى المعرض فهم لا
ينتهون، بل يحكون لسنة كاملة عن غرائب قصص المعرض كما يصفونها، وما هي إلا حوارات
بين عشاق بالغين للكتب أو عشاق أطفال للكتب.
فعندما يرى القارئ قارئًا آخر يمسك الكتب
ويقلبها ببطء ورواق، يراوغه مثل الثعلب ويعطيه رأيًا حقيقيًا أو مزيفًا حول
الكتاب، أو يرمي اقتراحًا لا علاقة له بالكتاب الذي يحمله، فقط ليبدأ حوارًا ويسأله:
"لما علينا أن نقرأ؟"، "لأن الإنسان لا يحيا بدون القراءة."،
"ما هو أجمل كتاب قرأته؟"، "الكتاب الذي لم اقرأه بعد"، ثم
يستعرض بعض المصطلحات المنمّقة والمعقدة وإن كانوا يعرفون بعض الإنجليزية فلا ضير
من إضافتها هنا وهناك. وتنتهي هذه المحادثة بسلسلة تغريدات على تويتر يُعجب بها
آلالف القراء.
أنا لست كذلك. أشعر أني مريضة.. أو غريبة. أشك
بعض الأحيان أنني طبيعية. أحب الفكاهة. اكتفي بالضحك ورمي النكات. نكتة واحدة
تضحكني كلما تذكرتها خير لي من نصيحة أو حتى قصيدة؛ فأغلب القصائد بشعة ولكن أغلب
النكت مضحكة!
- أنتوا مين وين؟
تُجيب بضجر وهي تضع كتبي الرخيصة
والنحيلة داخل الكيس: من تونس.
- أهلًا وسهلًا
نورتونا، بالله ما تبيعون شُبيكة؟
وتضحك رغمًا عن أنف مسرحية البندقية
لشكسبير الواقفة خلفها وقصة المعطف لغووغل التي وضعتها داخل الكيس لي. هذه الضحكة
تكفيني، أخذها وأدسها في أعماق قلبي وأخرجها عندما تخدر سوالف الصديقات المثقفات.
علاقتي بالكتب تدهورت كثيرًا، فكتبي
التي هجرتها في كرتون كبير في مخزننا المغبّر عرضته للبيع بأكمله بأبخس ثمن. لدي
زبونة وحيدة تشتري مني بعد كل راتب في كل شهر، بعد كل راتب يظهر لي على الشاشة اسم
المستخدم R. R
تشبهني، لا تحب أن تتعمق في علاقة لا فائدة منها، تُسلم علي سريعًا
وتسألني عن كتبي. أبيع لها كتبٍ نظيفة بعشرة ريال فقط. جميعنا خاسرون. حتى R نفسها لا تربح كثيرًا فأخوها الذي يأتي ليستلم
الكتب عصبي ومراوغ، لا يأتي لمنزلي إلا صباحًا، فيأتي مرة وأنا سبق وغادرت المنزل،
وإن بقيت فلا يأتي هو. الرابح الوحيد هي أمي التي تفرح كلما رأت تناقص الكتب وأصبح
في المخزن مساحة إضافية لبطانية أخرى.
من أنا؟ هل أنا هي الكتب؟ هل القراءة
جزء مني، أم إضافة؟ هل لو تزوجت وأنجبت سأترك القراءة كالعديد من النساء والرجال؟
أسئلة كثيرة. هل اقرأ الكتب من باب المتعة؟ هل تتفجر موجات من الدوبامين في عقلي عندما
أفتح كتابًا؟ تراودني هذه الأيام رغبة ملحة بأن أصور دماغي إشعاعيًا. أريد أن أعرف
بما يفكر به هذا الماكر. ولكن خوفي الوحيد أن يقول لي الطبيب "مجرد دماغ
طبيعي". لما العناء إذًا؟
تعليقات
إرسال تعليق