الثلاثاء 17 أكتوبر: أنا وسجادتي

الثلاثاء 17 أكتوبر: أنا وسجادتي

 




تتوسط غرفتي سجادة حمراء مزخرفة برسومات زرقاء وسماوية. يكسر لون سجادتي القرمزي سكون غرفتي، ويضفي على حياتي لمسة من الجراءة المستحيلة. لي أنا وسجادتي تاريخ طويل، أحبها وأظنها تحبني، أترك جمعات الأصدقاء والعائلة لأجلس معها وبجانبها وعليها، استلقي عليها مرة، واجلس عليها مرارًا، وأغفو عليها مرات. هي الأمان، هي بوابتي لعوالم لن أزرها، هي رفيقة المساء، وصحن فنجان قهوة الصباح. على سجادتي أذرف الدموع، أنشر الضحكات، أكتب الكلمات، أسجد للباري، وأجلس في السكون.

 

خذيني يا سجادتي إلى عالم الأدب، لنزور تشيلي، لنُسلم على إيزابيل الليندي، لنُربّت على رأس باولا، ما رأيك أن نبقى هناك لسبع سنوات عجاف، نبقى في برد مدريد القارص ثم ننتقل إلى شمس كاليفورنيا؟ لا تخافي هناك متسع على سرير باولا يكفينا نحن الاثنتين. ولن يلحظنا أحد فالجميع مشغول بتأمل وجه تلك الشابة وهو غارق في عالم آخر.

 

بعيدة هي تشيلي؟ حارة هي كاليفورنيا؟ لنبقى إذن في الرياض، ولكن لنعود بالزمن للوراء. ما رأيك إن عدنا لغازي القصيبي؟ لنتجوّل معه بين الكتب، نراقبه وهو يكتب العصفورية، ونتأمله وهو ينظم قصيدة حديقة الغروب، نجلس معه على سرير المرض ثم نترك روحه تُغادر أبواب السماء دون أن نَعدله عن فعل ذلك. أو لنتحرك قليلًا لنذهب لعروس المصيف سأجلس عليك واحمليني أنا والورد الطائفي، لننثر مئة وردة على محمد الثبيتي ونحن نردد معه:

اختر هواك على هواك عساك أن تلقى هناك إلى الطريق طريقا.

وامخر صباح التيه منفردا فما أحلى الصبا خلا وما أحلى الصباح رفيقا.

 

لنترك الصباح والمساء، أريد أن أركض لعزيزة جلال لأقف بينها وبين زواج يحرمنا من صوتها لسنوات. أو دعينا نجرّ عباس إبراهيم ونعيده للعود. ماذا حصل له يا ترى؟ هل فعلًا عشق وترك الغناء لأجل الحب؟ هل تراه سيعود يومًا ما مثل عزيزة؟ لنذهب ونكبّله ونمنعه من الرحيل، فلم يعد أحد يحتمل هذا الغياب أكثر. يقولون إن الموت هو أصعب فراق، ولكن فراق الأحياء هو الأكثر وطأة والأكثر وجعًا.

 

أتعبتي يا قرمزيه؟ تريدين مستراحًا؟ لنعود لغرفتي، سأفرشك على خشب الأرضية وسأستلقي معك. سأضعك أمام النافذة لنُحيك من الغيوم المتناثرة شخصيات وحبكات. سأغلق الباب ورائك حتى لا تدخل القطة. أنا وأنت فقط يا قرمزيتي، وحدنا نحيك القصص، نقرأ الكتب، نبكي على موتى، نسجد للذي خلقني. الصمت هو أحلى موسيقى، وصوت أعمال البناء التي تتسرب من النافذة هي الأسوأ.

 

كم سنة مرّت ونحن هنا؟ كم ليلة مرت دون كلمة؟ كم فرض جاء دون أن أصلي؟ كم نداء جاءني ولم أجبه؟ وكم تعثرت مرة عندما وقفت؟ لا أريد الرحيل، هل يمكنني أن أجلس هنا كل يوم؟ كل يوم سأجلس على زاوية جديدة، وكل يوم سأفتح لك كتابًا جديدًا من مكتبتي. مرة سنذهب مع ماجد لنتقفى أثر مقتل المرزوق في بعقوبة، ومرة سنبكي مع أكاكي على معطفه المسروق، وفي ليلة خميس سنغني أنا وأنتِ ليلة خميس، وإذا نزل المطر لندندن سوية أنشودة المطر.

 

طلبتك يا قرمزية بعدد أكواب القهوة التي شربتها والتي سأشربها، بعدد الدموع التي ذرفتها، بعدد المرات التي هربت منها، وعدد المرات التي لجأت فيها إليك... لا تتركيني... أنا وأنتِ نتأمل من نافذتي غروبًا خريفيًا بامتياز... يظهر لنا الأحمر فالقمرزي فالبنفسجي فالأصفر... يُداعبنا هتّان لطيف... نغرق في الصمت... نهرب أكثر... نفتح أبوابًا لعوالم لا نعرفها بعد... ونغلق النوافذ أمام أشباح الماضي... نودّع الشمس.. ولا نأبه إن أشرقت غدًا أم لم تشرق... أنا وأنت غارقتين في الهروب الأبدي مثل باولا ولكن بأسلوب ألف ليلة وليلة.

 

 

تعليقات

ما أحبه القرّاء