ماذا علمتني رياضة الفورمولا 1؟

 ماذا علمتني رياضة الفورمولا 1؟

 

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)

 

كانت هذه أول آيات ينزلها الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد -صلّ الله عليه وسلم-، ويوصينا الله جلّ جلاله فيها بالقراءة والتعلم.

منذ أن وجدت البشرية على كوكب الأرض ونحن نتقدم يومًا بعد يوم في المعرفة والعلم في مختلف المجالات. وقد تقفى العالم الفيزيائي والفيلسوف "ديفيد دويتش" في حلقة بودكاست The limitless potential of human knowledge أثر تطوّر الكون أجمع باعتبار أن "المعرفة" هي العامل الأهم.

 

ولكن كيف يتعلم ويتطور الإنسان؟

تُشير العديد من الأبحاث أن أكبر مصدر للمعرفة هو المجتمع. فمن التعلم المجتمعي عرفنا كيف نتحدث بلباقة، كيف نتناول بالملعقة، كيف نجامل من حولنا، وكيف نتجنب الأخطاء التي وقع فيها البعض. فالطفل الصغير يعتمد في سنواته الأولى اعتمادًا كبيرًا على المعرفة المجتمعية ليقول "بابا" لأول مرة، ويمسك رضاعته، ويخطو أول خطواته.

 

بدأت متابعة رياضة الفورمولا ون منذ سنتين، وقد انجذبت لهذه الرياضة بعد استضافة السعودية لها لأول مرة عام 2021، وبعد متابعة المسلسل الوثائقي الشهير Drive to Survive على Netflix. شعرت بعد متابعة موسمين طولين، أنني لا أتابع هذه الرياضة لمتعة معرفة من سيفوز بالسباق فقط، بل ما كان يشدني أكثر هو مراقبة تعامل المتسابقين مع الضغوطات، وكيف يمكن للمقارنة بين الأقران أن توقظ في دواخلهم وحوشًا لم يعرفونها من قبل.

 

واسمحوا لي أن أشارككم 6 دروس تعلمتها من متابعتي لهذه الرياضة.

 

1.     الفريق قبل الطريق

 

يختار سائقي الفورمولا ون فرقهم بعناية، فالفريق الذي يحكمه إدارة حكيمة تُطبق استراتيجية ذكية سيُساعد سائقه في معرفة نقاط ضعفه وتطويرها وتحديد نقاط قوته لإبرازها.

فالسائق الألماني "سباستيان فيتيل" بطل العالم لأربع مرات كان يتصدر السباقات عام بعد عام من 2010 وإلى 2013. ولكن منذ انتقاله إلى فريق فيراري تغيّرت حالته تمامًا. فمهارات السائق لم تتغير كثيرًا، ولكن الفريق تغيّر. لم تمنح فيراري "سباستيان" الدعم والدافع والشغف للتحليق في مضمار السباق بأقصى سرعة، فأخذ ضوء النجم اللامع يخفت أكثر وأكثر حتى أعلن اعتزاله في هذا العام. 

 

اختر الرفيق الذي ستشق معه طريق العلم أو مسيرتك المهنية أو حياتك الاجتماعية بعناية، فهو قد يأخذك لآفاق لم تحلم بها قط أو يجرّك إلى قاع الخذلان.

 

 

2.     اعرف امكانياتك وحدودك

في عالم الفورمولا ون، يصعب مقارنة قدرات السائقين الفردية كثيرًا. فكل سائق يقود سيارة لها إمكانيات متفاوتة وأسلوب قيادة متفرد. يستطيع أي السائق ألا يرفع قدمه من على دواسة البنزين أبدًا، أو أن يسدّ الطريق على سيارة أفضل من سيارته طويلًا، ولكنه في الأخير سيخسر لأن السيارة الأفضل ستنقض عليه في نهاية المطاف.

فالسائق الذكي هو الذي يعرف إمكانيات سيارته وحدودها، فهل سيارته تتنافس على بطولة العالم؟ أم على المركز الرابع؟ أو أنها تحاول فقط أن تحرز أي نقطة بأي ثمن؟

 

المتسابق الحاذق هو الذي ينتقِ معاركه وخصومه بعناية ليحصل على مراده.

 

 

3.     جروحك هي التي تصقلك

كان المتسابق الأسترالي "دانييل ريكاردو" من أبرز المتسابقين على حلبة الفورمولا ون مع فريق ريدبول ريسينغ، وبعد أن قضى أربع سنوات مع فريقه قرّر النجم اللامع أن يبدأ مرحلة جديدة بانتقاله إلى فريق ماكلارين. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي سُفن "دانييل"، فهو لم يستطع أن يتأقلم مع سيارة ماكلارين أبدًا. فالسائق الذي فاز لثمان مرّات، أصبح يُنهي سباقاته  في مراكز متأخرة جدًا.

 

وبعد أنهى "دانييل" أحد السباقات في مركز متدني، هرب من كاميرات الصحفيين واختبئ خلف أحد المباني. ولكن صديقه المقرب لم يتركه وحيدًا، بل تبعه وجلس بجانبه وطبّب عليه بقول جملة واحدة "تذكّر: جروح اليوم هي التي تصقلك غدًا".

 

 

فعلى الرغم من المنغصات والصعوبات التي نعيشها في حياتنا، إلا أنه لولا تلك الانعطافات لما أصبحنا ما نحن عليه اليوم.

 

 

4.     الثابت الوحيد هو المتغير

لا شيء في هذا العالم ثابت، كل شيء سيتغير ويتحوّل. فالسائق البريطاني "لويس هاملتون" حقق بطولة العالم لسبع مرات. ولكنه في عام 2022 أنهى بطولة المملكة العربية السعودية في المركز العاشر!

ومن الجانب الآخر، كان الرياضي "جورج راسل" ضمن صفوف فريق "ويليامز"، حيث حُرم فيه من متعة اقتطاف أي نقطة لثلاث سنوات. وعندما طلبت "المرسيديس" أن ينضمّ إلى صفوفها، حقق "جورج" في أول سباق له مع الفريق الألماني 12 نقطة.

 

بطل اليوم ضحية الغد، وحزن أمس يتبعه فرحة غد، فلا تظن أن النجاح أو الفشل هو أمر مسلّم، فكل شيء في هذه الحياة متغير ومتقلّب.

 

 

5.     اصعد درجات السلم لتصل إلى وجهتك

 

لتحجز مقعدًا في الفورمولا ون، أعرق رياضة للسيارات، عليك أن تبدأ برياضة الكارتينج؛ حيث ينشأ الأبطال، ثمّ إلى الفورمولا 3، فالفورمولا 2 وأخيرًا إلى الفورمولا 1.

 

لا تُنافس من يقفون على بعد كيلومترات عنك، بل التفت على من حولك وانظر لأقرانك وابدأ منافستك حتى تقترب أكثر وأكثر من حلمك.

 

 

6.     الحياة ليست عادلة دائمًا

على الرغم من أن سباقات كرتون الأطفال الشهير "ماكوين وأصدقائه" كانت تقف دائمًا بصف من يستحق الفوز، إلا أن حلبات الفورمولا ون لا ترحم أبدًا. ففي هذه الرياضة جميع المتسابقين سريعين ورياضيين وماهرين، ولكن بعضهم وصلوا للرياضة بفضل معارفهم، فالمتسابق "سترول" الكندي حصل على مقعد في رياضة الفورمولا ون بعد أن اشترى والده أحد الأفرقة، والإسباني "ساينز" كان والده متسابقًا في الرياضة نفسها مما مهدّ له طريق الاحتراف.

 والأسوأ من ذلك أن بعض المتسابقين قد يحصلون على مقعد للقيادة بفضل وسامتهم وشهرتهم فقط، فالرياضة تُعدّ أحد أكبر المسارح العالمية للتسويق، والرعاة والمعلنين يريدون في الأخير جذب أكبر شريحة من الجمهور.

 

الظلم هو حقيقة مرّة علينا الإقرار بها وتجرّعها، ثم الوقوف والكفاح لتطويع الحظ لصالحنا وبناء علاقتنا تُفيدنا لتحقيق أحلامنا.

 

 

تعليقات

ما أحبه القرّاء