قراءة متعمّقة لفيلم Birdman ونهايته



 يحكي فيلم birdman قصّة الممثل ريغان الذي ترك تمثيله لشخصيّة "بيرد مان" التي اُشتهر بها، ليعمل على تجهيز مسرحية له في مسرح البرودواي. يسبر الفيلم أغوار نفس الفنان، فهو  يبحث دائمًا عن المعنى، ويخاف أن يتجاهله الناس، وجلّ ما يهتم به هو رأيهم. 

نُلاحظ في الفيلم أن ريغان يسمع صوتان، صوته الحقيقي وصوت شخصية "بيرد مان" في رأسه الذي يصرخ دائمًا أنه ليس بالبراعة المطلوبة. كما نشهد تضارب واضح بين خيال "ريغان" والواقع، فهو يتخيل أنه يمتلك قوى "بيرد مان" في التحكم بحركة الأشياء، والقدرة على الطيران، إلا أننا نكتشف أن ما كان يحصل ما هو إلا من وحي خياله.  فعندما خُيّل لنا وله أيضًا أنه استطاع الطيران، نكتشف في اللقطة التي تليها أنه ركب سيارة أجرة! وهذا الخيال ما هو إلا إشارة إلى رغبة "ريغان" في الحصول على شيء مميز. 


لماذا كان ريغان يتخبط؟ هو يبحث عن اهتمام الناس، فهو لم يُنتج مسرحيته إلا ليُثبت للعالم، لا لنفسه، أنه يستطيع أن يخرُج من إطار شخصيته القديمة ويفرد جناحيه في عالم المسرح، فنُلاحظ أنه في الفيلم يكرر جمل مثل "ما يهم هو ما سيقوله الناس"، بالإضافة لتوسله إلى كاتبة مجلة "تايمز" التي ستُؤثر بمقالها على رأي الناس أشد تأثير. 

ماذا كان يرجو "ريغان" عندما انتحر أمام الناس؟ تحديدًا على خشبة مسرح البرودواي في مشهد الانتحار، الذي تحولت فيه الدماء المزيفة إلى حقيقية. أولًا علينا أن نُركز على فكرة أن ريغان كان يتحدث عن نفسه في تلك المسرحية، كيف؟ حينما تحدث في المشهد المؤثر عن الرجل الذي كان يرى زوجته من تحت الشاش الأبيض الملفوف حول وجهه، فهو كان يتحدث عن نفسه في نهاية الفيلم عندما نُقل إلى المستشفى ولُفّ وجهه بالقماش الأبيض ورأى طليقته من خلال فتحة العينين من تحت القماش. وأيضًا عندما صرخ من على المسرح وقت مشهد الانتحار "لما لا يراني أحد؟" كان يُعبر عن مخاوفه الداخلية من تجاهل الناس له. لذلك نستطيع القول إن ريغان اختار أن يجعل الانتحار حقيقيًا لتبقى ذكراه حيّة في تاريخ الفن دائمًا. 


وإن كُنّا سنتحدث عن شخصية ريغان والصعوبات التي يواجها خارج المسرح، فمن المهمّ أن نذكر علاقته مع ابنته سام. التي ذكر المخرج "أليخاندرو غونزاليس إناريتو" بأنها من أهم الأفكار التي يدور حولها الفيلم. أولًا، علينا ان نحلل شخصية سام، التي كُشف جزء كبير من شخصيتها في محادثتها مع مايك على السطح عندما قال -بتصرف- "أنتِ تُخفين شخصية قوية وجميلة بداخلك، وكأنكِ شمعة جميلة تحترق لكنها ما زالت جميلة، تتعاطين المخدرات لتُخفين كلّ هذا الجمال!" إذن تشبه سام شخصية والدها كثيرًا، لكنها تحاول اخفاء ذلك ما استطاعت، وقد يعوز السبب إلى عدم اهتمام والدها وغيابه عنها في فترة طفولتها. فعلاقة الأب بابنته مضطربة كثيرًا، لذلك نرى نقاشات حادة تدور بينهما، أحدها هو النقاش الذي دار بينهما في بداية الفيلم حول الأزهار التي لم تجد سام النوع الذي طلبه والدها منها، وهذا النقاش يرمز إلى اضطراب العلاقة. في حين يرمز المشهد الأخير من الفيلم عندما زارت سام والدها في المستشفى واحضرت معها الزهور التي طلبها سابقًا أنهما أصبحا يفهمان بعضهما البعض. 

 

 

ما قصّة النهاية؟ 

 

يقول المخرج "أليخاندرو غونزاليس إناريتو" أنه هناك تفسيرات لنهاية الفيلم بعدد مقاعد مسرح البرودواي الـ 800. 

.لكن سأكتفي بسرد أكثر تفسيرين مقنعين للنهاية

1- كلّ ما حصل في الفيلم هو من وحي خيال ريغان


في بداية الفيلم سيظهر لنا مشهدان. الأول لنيزك في السماء، والآخر لقناديل بحر ميتة على الشاطئ. يمكننا ربط هذين المشهدين باعتراف ريغان لطليقته أنه حاول الانتحار في البحر. لكنّ ذلك الانتحار كان حقيقًا فقد مات ريغان في البحر بالفعل، وما حصل في الفيلم ما هو الا مجرد خياله بين الحياة الموت، بأن يصبح فنانًا عظيمًا يتصدر اسمه عناوين الصحف، وأن يصبح أيضًا أبًا جيدًا لسام. إذن، ما هو تفسير الانتحارين الآخرين؟ الانتحار الأول في المسرح هو لإثبات الذات وترسيخ ذكراه ما حييّ فمن الذي سينسى ممثلًا انتحر في وسط مسرحيته؟ أما الانتحار الثاني وهو المشهد الأخير في الفيلم عندما يبدو لنا أنه قفز من النافذة وشاهدته ابنته سام بعينين مندهشتين وسعيدتين. فتفسيره هو أن ريغان حقق ما يريد وهو أن يصبح هناك تفاهم بينه وبين ابنته وعندما حصل ذلك في المستشفى لم يعد يرغب في أن يتخيل المزيد فكلّ ما يريده تحقق لذلك قفز من النافذة. 


 


2- كلّ محاولة انتحار هي تقدُّم في حياة ريغان


أمّا التفسير الآخر للنهاية فيدور حول أن محاولة انتحار ريغان الأولى في البحر كانت بعد أن واجهته طليقته بأن عمله الكوميدي الجديد لم ينل على إعجابها، فحاول قتلها ثم هرب إلى البحر حيث حاول الانتحار، بذلك يرمز الانتحار هنا إلى الفشل. في حين أن انتحاره الثاني على المسرح كان قد أحدث ضجة، وجذب اهتمام ناقدة مجلة "تايمز"، فيرمز هذا الانتحار إلى النجاح. وإلى ماذا يرمز إذن انتحاره الأخير؟ قفزته الأخيرة من نافذة المستشفى كانت من أجل أن تبقى ذكراه حيّة على هذه الأرض. ففي مشهد غرفة الملابس قال ريغان لطليقته "هل تعلمين أن فرح فاوست توفت في اليوم نفسه الذي توفى فيه مايكل جاكسون؟" ردّت عليه قائلة "لكنك لست فرح فاوست". وهنا يظهر أن ريغان يخاف بأن يكون منسيًا ويشعر أن النهاية المأساوية هي التي ستجعل الناس يتذكرونه. لذلك اختار أن ينتحر من نافذة المستشفى ليصبح له قيمة.  لكن لِما ابتسمت ابنته سام ونظرت للأعلى عندما اكتشفت قفز والدها من النافذة؟ تُشير ابتسامة سام ونظراتها المتفاجئة وكأنها رأت والدها يطير في السماء، أنها دخلت إلى عالم ريغان الذي يبحث فيه عن اهتمام الناس، ويرغب في أن يكون له بصمة في هذا العالم. 



 






تعليقات

ما أحبه القرّاء